رسالتك أيها المسيحي - مقدمة
من كتابات القديس يوحنا ذهبي الفم
"الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه" (عب 1: 1- 2)
حديثاً عملياً على الصليب، مكتوباً بالدم.
على الصليب أحني رأسه في حبٍ، لتضع كل البشرية أياديها عليه، فيحمل شوكة لعنة خطايانا في رأسه، لنشاركه نحن إكليل مجده.
تمزق كفاه بالمسامير، ليعلن أن أسماءنا نحن الخُطاه، منقوشة عليها بالجراحات.
وتسمرت رجلاه، مصراً ألا يفارق بيت خطايانا، بل في لجاجة يتوسل أن يأخذنا معه حيث هو كائن.
وانفتح جنبه لندخل ونهيم في أحشائه الملتهبة بنيران حبة المتأججة.
ذُبح وانحني على الصليب، وانفصلت نفسه عن جسده، لكنه كأسد رابضٍ مخوفٍ (تك 49: 9)،
إذ لاهوته لم يفارق ناسوته قط.
أقام بموته المحيي أجساد الكثيرين، وبدخوله إلى الجحيم فجر أبوابه، وأخرج الذين ماتوا على رجاء ليدخل بهم إلى الفردوس.
فتح الرب الهيكل السماوي، طالباً بسلطان غفراناً من اجل البشرية الجاحدة العاصية.
هذا هو عمل الرب المتجسد، شاهداً لمحبته الإلهية العملية،
إذ "ونحن بعد خُطاة مات المسيح لأجلنا" (رو5: 8).
"ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه" (رو5: 10).
بهذا الحب اجتذب اللص القاتل، ولازال بنفس الحب يجتذب الخُطاة والزناة والعشارين، ليصعدوا به إلى حيث موضع قدسه، كأعضاء في جسد الرب المُحب.
* أنت رائحة المسيح الذكية
كل من يتلامس مع محبة ربنا، يقول مع الرسول:
"الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه، ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة". (يو1: 3).
وإذ يدرك عمل الله في حياته، يشهد بذلك أمام اخواته مهما بلغت نجاسات قلبه، قائلاً:
"فإن الحياة أظهرت. وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا.
الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به، لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا" (1 يو1: 2- 3).
المسيحي الحقيقي الذي يدرك نعمة الله الفياضة التي تنتشله على الداوم من هوة الخطية وتقدم له كل رجاء، لا يكف عن أن يشهد للرب وسط أحبائه السالكين في الظلمة.
* كيف تشهد للرب؟
شهادتك للرب أيها العزيز ليست أمراً صعباً كما تظن، لأن كرازتك
"لا بحكمة كلام لئلا يتعطل صليب المسيح" (1كو 1: 17)،
بل بإعلان عمل الصليب في حياتك العملية.
بالصليب تدوس على سطوة الخطية،
شاهداً للرب في حياتك الداخلية وسلوكك الخارجي،
في أفكارك الخفية وتصرفاتك الظاهرة، في عواطفك وأحاسيسك.
بالصليب تقبل وصايا ربنا يسوع الصعبة،
فترى أن "حملها خفيف، ونيرها هين (حلو)"،
خاصة تلك الوصية التي بها يكمل كل الناموس والأنبياء:
"تحب الرب إلهك من كل قلبك.. وقريبك كنفسك".
تحب قريبك مهما ضايقك، ودبر لك من مكائد، وحاول أذيتك.
هكذا تجتذب نفوس الاخرين بالوصايا العملية التي تحيا بها، لأن
"ناموس الرب بلا عيب يرد النفوس. وصايا الرب مضيئة تنير العينين عن بعد" (مز18.
فمن غير أن تتكلم ترد النفوس المتعبة، وتنير العينين المظلمتين.
لأنك بالمسيح يسوع تصير نوراً للعالم الذي يضيء بالعمل أكثر من الكلام،
وخميرة مقدسة تخمر العجين في صمت، وملحاً روحياً يُصلح الغير خفية.
ربما لا تنطق بكلمة، لكن حياتك تكون قوية، كقول المرتل:
"لا قول ولا كلام. لا تسمع أصواتهم. في كل الأرض خرج منطقهم، وإلى أقطار المسكونة بلغت أقوالهم" (مز18).
باختصار، انك عضو حي في جسد الرب -الكنيسة الحقيقية-
يلزمك أن تكون مثل رأسك الحقيقي -ربنا يسوع- سالكاً بروحه المتسع لمحبة الجميع.
هذه هي شهادتك له، أن تكون سفيراً للرب لك رائحة الحب الذكية نحو البشرية كلها.
يتسع قلبك للمسيئين إليك وناكري الإيمان حتى المُجدفين أيضاً.
"لأنه إن كنت تحب الذين يحبونك فأي أجر لك، اليس العشارون يفعلون ذلك.
وإن سلمت على إخوتك فقط، فأي فضل تصنع.
فكن كاملاً مثل أبيك السماوي" (مت5: 46- 48).
لقد ارسلك الرب حملاً بين ذئاب تضم هذه الذئاب كل مضايقيك
الذين من بينهم كثير من المسيحين بالاسم ولا يسلكون حسب الايمان الحي. (مت 10: 16)،
يفترسونك ويلتهمونك، لكن -كما يقول القديس أغسطينوس– سرعان ما تتحول الذئاب إلى حملانٍ.
لا تخاف البذرة الحية من الأرض التي تُدفن فيها، فإنها إن لم تمت لا تأتي بثمرٍ كثيرٍ.
* تشبه بسيدك، لأنه: "ليس التلميذ أفضل من المعلم، ولا العبد أفضل من سيده.
يكفي التلميذ أن يكون كمعلمه، والعبد كسيده" (راجع مت10: 24)،
فإنك بهذا تعلن نور الرب للجميع.
هذا هو موضوع العظة التي القاها القديس يوحنا الذهبي الفم
على جماعة المؤمنين المترددين على اجتماعات الكنيسة من أجل الذين لا يحضرون الاجتماعات.
الرب قادر أن يستخدم كلماته لنفع نفوسنا جميعاً ببركة صلوات آبائنا القديسين
الرب معك
انتظرونا في الاجزاء القادمة