فكر الصلاة
1 جمع العقل (يقظة في الصلاة)
+ قال القديس مقاريوس الكبير:
"إذا أقدمت على الصلاة
فاحرص أن تكون ثابتاً لئلا تسلم أناءك بيد أعدائك لأنهم يشتهون اختطاف آنيتك التي
هي أشواق نفسك، وهي الأشواق الصالحة التي يجب أن تخدم بها الله نهاراً وليلاً. لأن
الله لا يطلب أن تمجده بشفتيك فقط بينما تطيش أفكارك بأباطيل العالم، لكنه يريد
ألا توقف نفسك أمامه وأفكارك تنظر إليه بدون التفات".
+ وقال أنبا موسى الاسود:
"كن متيقظاً في صلاتك
لئلا تأكلك السباع الخفية".
+ وقال أنبا سرابيون:
"كما أن أجناد الملك
وقوف بين يديه، ولا يقدر واحد منهم أن يلتفت يميناً أو شمالاً، كذلك الانسان، إذا
كان واقفاً قدام الله في الصلاة، يجب عليه أن يكون عقله مجموعاُ بخوف، وإذا كان
ذلك، فلا يستطيع العدو أن يضره أو يرهبه".
+ للقديس يوحنا ذهبي الفم عن
الكلمة المكتوبة:
"أصلي بروحي وأصلي
بضميري، وأرتل بضميري": "يريد الرسول ألا يكون الانسان مصلياً بلسانه
فقط تاركاً عقله يتيه في شتى الأمور، فيصير بلا ثمر، بل ليسكن جهاد واحد لا
ثنيهما، اللسان ينطق بكلام الصلاة والعقل يميز المعنى الخفي الغير منظور والفكر
يتبع يسوع إلى فوق، مثل النفس الصاعد مع الكلام، فيكون مثل انسان يشتكي إلى الملك
ووجهه ناظر إليه ولسانه يتكلم بغير انشغال".
+ قال الاب نستاريون:
"أحرص كل يوم على أن تقف
قدم الله بلا خطية، وهكذا صل لله كأنك مشاهد له، لأنه بالحقيقة حاضر".
+ قال القديس برصنوفيوس:
"الصلاة الكاملة هي أن
تخاطب الله بلا طياشة عقل ولا سجس العالم، لأن المصلى الكامل قد مات عن العالم.
أمساك البطن هو ان تقلل من شبعك قليلاً وإن كان عليك قتال فاترك قليلاً أكثر، أمسك
العقل والقلب فهو أن يكون متيقظاً. لا تتهاون بأفكارك وإذا قاتلك العدو بالفكر فلا
تلتفت إلى قتاله لأنه يريد بذلك أن يشغلك عن مخاطبة الله".
+ قال القديس أوغريس:
"تغافل عن ضروريات الجسد
عند وقوفك للصلالة حتى ولو لدغك برغوث أو بعوضة أو ذبابة أو أحد الهوام فلا تنشغل
بها لئلا تخسر الربح العظيم الذي للصلاة".
+ وقد حكى لنا آباؤنا
القديسون عن أحدهم كان الشيطان يحاربه إلى درجة كبيرة عند وقوفه للصلاة. وذلك أنه
عندما كان يبسط\ يديه للصلاة كان الشيطان يغير شكله قدامه بهيئة أسد، ويشبك رجليه
الاثنين في رجلى القديس وينتصب قباله. ثم يجعل مخالبه في حقوى المجاهد من هنا
وهناك. فلا يرجع عنه حتى ينزل يديه ولم يكن المجاهد لينزل يديه حتى يكمل صلاته
كعادته.
+ قرأت
في سيرة رهبان دير تاسا ما هو مكتوب عنهم هكذا:
"أنه بينما كان القديس
باخوميوس يتكلم مع الأخوة مرة بكلام الله، إذ بحيتين قد جاءتا وألتفتا حول رجليه
أما هو فلم يقلق ولكنه تظاهر كأنه يطرح حلته تحت رجليه حتى فرغ من حديثه بكلمة
الله، وحينئذ أعلم الأخوة بهما".
+ كذلك قرأنا عن أخ روحاني:
" أنه فيما هو يصلي مرة
جاءت أفعى ولمست رجليه وهو يصلي، فلم يبالي بالكلية حتى أكمل صلاته كالمعتاد ولم
يؤذ بالكلية. ذلك لأنه كان يحب الله أكثر من جسد لذاته. فأقتن لك عيناً غير
متشاغلة وقت الصلاة. وأجحد ذاتك وأطلب الله بكل قلبك.
+ وآخر أيضاً من القديسين:
الذين يصلون كما ينبغي، كان
منفرداً في البرية، هذا وقف قدامه الشياطين مقدار أسبوعين وهم يلكمونه ويحلقون به
في الجو ويقطعون عليه الحصير، وبرغم هذا كله لم يستطيعوا بالجملة أن يخطفوا عقله
ولو كان في صلاة قليلة بحرارة مع الله. فاجتهد يا أخي أن توقف عقلك كمن هو أطرش
وأخرس في وقت الصلاة. وهكذا تستطيع أن تصلى.
+ إن كنت تريد أن تصلى جيداً
ويصير لك افتخار قدام الله. فاجحد ذاتك في كل حين وفي كل ساعة.
+ الصلاة هي باب الفرج
والشكر. الصلاة هي دواء الاحزان وضيق الصدر لا تصل بالشكل الظاهر فقط ولكن بمخافة
الله ورعدة وخشوع مع الالتفات بعقلك نحو المعقولات، الصلاة هي فهم للعقل، الصلاة
ترفع العقل إلى الله، الصلاة هي عمل يليق برتبة العقل وبطبيعته الفاضلة. فحين تعزل
هذه الآية من موضعها يظن أنها تتكلم عن تشتيت الفكر في الصلاة، أو الصلاة بلا فهم.
ولكنها يلزم أن تكفهم في موضعها وهي تتكلم عن ثمر الشركة في الصلاة.
+ قال شيخ:
"أحذر الغضب لأنه يظلم
العقل ويلقى من النفس لجام مخافة الله، أنما الغضب أبو الجنون، فمن يقبله لا يكون
وديعاً أمام الله".
(ب) الصلاة بلا طياشة
+ قال الآب أوغاريتوس:
"ما أعظم أن يكون
الانسان بغير طياشة، وأعظم من ذلك أن يكون تحت الخليقة كلها".
+ وقال مار أسحق:
"ان الذي يمزج قراءته
بالتدابير والصلاة يعتق من الطياشة".
+ وقال بعض الشيوخ:
"تحفظ في صلاتك بمخافة
الله، لئلا تغضبه بدلاً من أن ترضيه، فتحتاج صلواتك لصلوات".
+ أتى لصوص إلى قلاية في وقت
الصلاة فقال القسيس للأخوة: "أتركوهم
يعملون عملهم، ونحن نعمل عملنا".
+ قال شيخ:
إني خرجت مرة من قلايتي وجزت
بقلاية شيخ قديس، فسمعته وأنا خارجها يخاصم خصومه شديدة، ويقول: "حتى متى؟
كيف من أجل كلمة واحدة ذهب هذا؟" فلما سمعت صوت الخصومة، ظننت أن عنده
إنساناً يشاحنه. فقرعت الباب لأصلح بينهما، ولما دخلت لم أجد سوى الشيخ وحده،
فسألته ببساطة وقلت له: "يا أبي، مع من كنت تتخاصم؟" فقال لي: "كنت
أخاصم فكرى، لأني قد استظهرت أربعة عشر كتاباً (حفظتهما عن ظهر قلب)، وسمعت خارجاً
كلمة قبيحة فلما بدأت أصلى، جاءت تلك الكلمة، ووقفت قدامي وأبطلت تلك الكتب كلها،
فمن أجل ذلك كنت أخاصم فكري".
(ج) الصلاة بلا فتور
+ قال شيخ:
"طوبى لمن أبغض الاثم
وأحب البر، وخاف عقاب الجحيم وآثر ثواب الملكوت، وقاوم إرادة الشياطين وأطاع أرادة
الله، وصلى بلا فتور، بلا طياشة".
+ أخبر عن أحد الرهبان:
أنه لم يكن له عمل سوى الصلاة
بلا فتور، وكان كل عشية يجد في قلايته خبزاً ليأكله. فزاره أحد الرهبان مرة ومعه
ليف. فأخذه منه وصار يعمل في الليف. فلما حان وقت المساء طلب خبزاً كعادته ليأكل.
فلم يجد فبقي حزيناً. فأتاه صوت قائلاً: "لما كنت تعمل معي كنت أنا أعولك،
فلما بدأت ممارسة عمل آخر. أطلب طعامك مما تعمله بيدك!".
(ه) علاج الفتور في الصلاة
+ قال القديس يوحنا القصير:
مثل التاجر الذى يطلب الأرباح
كذلك حاسب نفسك كل يوم وأنظر ربحك وخسارتك في كل عشية وأجمع عقلك وتأمل ما الذي
عملته في نهارك وأنظر إلى صنع الله ربك، وأفهم بماذا أنعم عليك في يومك: بإشراق
الضوء، بطيب النهار، بتقويم الأزمنة، ببهاء الجبال، بحسن الألوان، بزينة الخليقة،
بحركة الشمس وبزينة قامتك، وبهبوب الرياح، وبحسن الأثمار، وبحفظه إياك من الأخطار
مع بقية انعاماته.
فاذا تفكرت في هذه الأمور
كلها يملأ قلبك العجب من عظم حب الله لك ويأخذك العجب إلى أن تشكر الله بحرارة على
ما أنعم به عليك- لذلك وجب عليك أن تفتش لعلك فعلت شيئاً يدل على إنكارك لهذه
النعم وقل فيما بينك وبين نفسك: "لعلى فعلت في هذا اليوم أمراً يغضب الله،
لعلى فعلت شيئاً يخالف مشيئة خالقي، فان شعرت في نفسك أنك قد فعلت شيئاً يخالفه.
قم في الحال بالصلاة وأشكر الله أولاً على النعم التي اقتبلتها منه في يومك هذا،
ثم تضرع من أجل غفران ما أخطأت به وهكذا تنام بخوف ورعدة.
+ من المعلوم لدينا أننا إن
أغضبنا من هو أعظم منا، فإننا نبيت ونحن في خوف ورعدة، ولكن مع الأسف فهوذا نحن
نغضب الله وننام بلا مخافة.
+ إذا قمت للصلاة قدام الله
احرص أن تجمع عقلك طارحاً عنك الأفكار المقلقة، ضع نصيب عينيك كرامة الله، ونق
حركاتك من الميول الشريرة. فإن شعرت بحرارة النعمة تقدم ولا تضيف، فاذا أبصر الله
صبرك فأنه بسرعة يسكب فيك نعمته ويتقوى علقك وينشط للعمل بواسطة السخونة (حرارة
النعمة) فتضيء أفكار نفسك ويسمو بك الشعور إلى تمجيد عظمة الله كل حين، ولن يكون
لك ذلك إلا بطلبات كثيرة وفكر نقى، كما أنه لا يليق أن يوضع البخور الطيب في إناء
نتن كذلك الله لا يظهر عظمته في كفر ردىء.
(د) السهر
+ قال شيخ:
"أحب السهر فإنه ينير
العقل".
+ قال القديس لنجيوس:
"السهر يطهر
العقل".
+ وقال القديس ابيفانيوس عند
خروج نفسه:
"أيقظوا قلوبكم بذكر
الله، فتخف قتالات الأعداء عنكم".
+ وقال شيخ:
"كل من يحاربه ابليس
وجنوده بالقتال، وهو لأجل ذلك ينوح ويبكي ساهراً، طالباً معونة، فهو يستجاب لأن
السهر يحل الخطية، والبكاء يحل الذنوب".
+ قال أنبا أنطونيوس:
+ لا يليق بنا أن نتذكر
الزمان الذي مضى. بالأحرى بنا أن نكون كمن يبدأ عمله حتى يكون التعب المفرط الذي
سنحس بد لفائدتنا... ليقل كل واحد ما قاله بولس الرسول: "انسى ما هو وراء
وامتد إلى ما هو قدام" (فيلبي 3: 13)، ولنتذكر أيضاً كلمات إيليا (حي هو الرب
الذى وقفت أمامه اليوم) (مل17: 1) لنلاحظ أنفسنا بالحكمة التي تجعلنا نقف أمام
الله".
+ وقال أيضاً:
"إذا قمنا في الصباح
لنذكر ربما لا نبقى للمساء. وعندما نرقد لنفكر أننا ربما لا نمكث حتى الصباح لأننا
لا نعرف ما هي أيام حياتنا. أنها معروفة لدى الله. ونحن أن مارسنا هذا العمل
يومياً لن نخطئ، لن نفعل شراً أمام الله، لن نشته أشياء هذا العالم، لن نغضب أحداً
ونكون كمن ينتظرون الموت".
+ قال القديس باخوميوس:
"يا ابني أحفظ قلبك كي
لا يفرح أعداؤك، لأن الانسان إذا لم يحفظ قلبه وقع في الشرك".
"لا تترك قلبك يسبى مع
الغرباء لئلا يقال لك: "لأنك لم تثق بالرب فأقم الآن في أرض العبودية".
+ قيل عن أنبا باخوميوس:
"أنه كثيراً ما كان يسمع
الشياطين تذكر شروراً مختلفة بعضها كان يأتي على الأخوة فذكر أولاً أنه سمع أحدهم
يقول: "أني أقف أمام راهب يناضلني دائماً، وكلما اقتربت لأزرع أفكاراً في
عقله حول في الحال إلى الصلاة فأضطر للهروب منه ملتهباً بالنار" كما سمع آخر
يقول: "إني أحارب إنساناً سهل الاقناع يطيع ما أرشده إليه ولذا فإني أحبه
كثيراً". وهنا قال الأب.. فعلينا أيها الأخوة أن نكون يقظين على الدوام وأن
نكون أقوياء في أسم الرب فنحارب الشياطين لأنهم لا يقدرون علينا".
+ سأل الأخوة أنبا سلوانس عند موته:
"أية سيرة صنعتها أيها
الأب، حتى اقتنيت هذا الحكم؟ (التدبير) أجاب: "لم أترك قط في قلبي ذكراً يسخط
الله".
+ وحدثنا أحد الآباء قائلاً:
"إني في بعض الأوقات
كلمت الأخوة كلاماً نافعاً، فغرقوا في النوم غرقاً، انتهوا فيه أنهم ما استطاعوا
أن يحركوا جفونهم، فأردت أنا أن أبين فعل الشيطان، فأوردت حديثا باطلاً، فانتبهوا
للوقت وفرحوا، فتحسرت وقلت: "إلى هذا الوقت كنا نتكلم في أشياء سماوية فكانت
أعينكم كلكم غارقة في النوم، فلما أوردنا أقوالاً باطلة، قمتم كلكم بنشاط، فلهذا
أسألكم يا أخواتي، أن تعرفوا فعل الشيطان الخبيث، وتصغوا إلى أنفسكم، محترسين من
النعاس، متى علمتم ورسمتم شيئاً روحانياً".
(ه) التغصب
+ قال قديس:
"ان الصلاة يتكلف (أي
تغصب) من شأنها أن تولد صلاة نقية براحة، فتكون الأولى بتكلف النية، والثانية
براحة من النعمة".
(و) الصلاة الدائمة
+ قال أنبا موسى الأسود:
"دوام الصلاة كل حين
ليستنير قلبك بالرب لأن مداومة الصلاة صيانة من السبي ومن يتوانى قليلاً فقد سبته
الخطية".
+ وسأل أخ أنبا برصنوفيوس:
"قل لي يا أبي أن كانت
الصلاة دائمة، فما حدها؟ وهل ينبغي لي أن آخذ قانوناً ازاءها؟".
أجاب:
"أفرح بالرب يا أخي،
أفرح بالرب يا حبيبي، أفرح بالرب أيها الوارث معي. أن الصلاة الدائمة تكون للذين
قد كملوا وبلغوا حد انعدام الأوجاع عنهم. لأنهم إذا بلغوا ذلك عرفوها، لأن الروح
يعرفهم كل شيء. إذ يقول الرسول: "أننا لا نعرف كيف نصلى كما ينبغي، ولكن
الروح يطلب من أجلنا بتنهد لا ينطق به" (رو8: 26)، وماذا ينفعك أن وصفت لك
مدينة رومية، وأنت لم تدخلها بعد؟ ان الانسان الساكت خاصة يستمر وليس عليه قانون،
ولكن كن مثل إنسان يجوع ويأكل ما يلذ له، فإذا جاءتك شهوة القراءة وأحسست تخشعاً
في قلبك فأقراء ما أمكنك، كذلك في تلاوة المزامير أفعل هكذا وتمسك بالشكر وقل:
"يا إلهي أرحمني". تقو ولا تفزع، لأن مواهب الله ليس فيها رجعة- أترك
عنك من اليوم الاهتمام، لأنك بعدم اهتمامك بشيء من الأشياء تصير قريباً من الله ومن
مدينة القديسين- وإذا لم تحسب نفسك شيئاً، صيرك ذلك أهلاً للسكنى في مدينة
الابكار، وإذا مت عن كل إنسان، صيرك ذلك متحداً بالله. وكما أطفأت حرارة الغضب،
ساعد ذلك على دوام سلامتك.
+ قيل أن أحد الخوة: أستمر يتردد على الأب مقاريوس المدني مدة أربعة أشهر
يومياً، وذلك ليسأله عن كلمة، فكان كلما ذهب إليه لا يجده متفرغاً من الصلاة حتى
ولا مرة واحدة، فعجب الأخ لذلك، وقال: "هذا ملاك وليس بإنسان" وانتفع
جداً.
(ز) ذكر أسم المسيح
+ قال أنبا دياراخس:
"من يشاء أن يطهر قلبه
جداً فليتخذ له كل حين الذكر الصالح الذي هو أسم ربنا يسوع المسيح الأسم القدوس،
عملاً وهذيذاً وكلاماً وفكراً بغير فتور وبمحبة عظيمة وشوق كثير، وليخرج من عقله
وسخ الخطية بعمل الوصايا كل حين".
+ قال مار افرام:
"بمقدار ما للتواني من
مضار، بمقدار ما للتيقظ من منافع تسبب كل صلاح، لأن المتيقظ في كل حين، ذكر الله
حاضر عنده، وحينما يتلو ذكر الله، تكلف عنه كل أفعال الخبيث".
+ قال القديس باخوميوس:
"لاتخل قلبك من ذكر الله
أبداً لئلا تغفل قليلاً فيستظهر عليك الأعداء المترصدين لاصطيادك".
+ قال شيخ:
"ليس هناك فضيلة من
الفضائل تشبه فضيلة مداومة الصلاة والتضرع باسم ربنا يسوع المسيح في كل وقت أما في
العزلة بالشفتين، وأما في القلب فبغير تنزه (تظاهر).
+ وقال آخر:
"إذا ما رفض الذهن أوامر
الروح القدس تبعد القوة ذاتها. وتثور أوجاع القلب. فإذا ما رجع القلب إلى الله
وحفظ أوامر الروح القدس كان عليه ستر، وحينئذ يعلم الانسان أن مداومة ذكر أسم القدوس
ربنا يسوع المسيح هو الذي يحرسه تحت ستر رحمته".
+ كذلك قيل:
"داوم على ذكر الاسم
القدوس، اسم ربنا يسوع المسيح فهذه هي الجوهرة التي من أجلها باع التاجر الحكيم كل
هوايا قلبه واشتراها وأخذها إلى داخل بيته فوجدها أحلى من العسل والشهد في فمه.
فطوبى لذلك الانسان الذي يحفظ هذه الجوهرة في قلبه فإنها تعطيه مكافأة عظيمة في
مجد ربنا يسوع المسيح.
+ وقيل أيضاً:
"إن كان كل ملء اللاهوت
قد حل في السيد المسيح جسدياً كقول الرسول فلا نقبل زرع الشياطين الأنجاس عندما
يقولون لنا: "أكم إذا صحتم باسم يسوع فلستم تدعون الآب والروح القدس".
لأنهم يفعلون ذلك مكراً منهم لكي يمنعونا من الدعاء بالاسم الحلو الذي لربنا يسوع
المسيح، لعلمهم أنه بدون هذا الاسم لا ولن يوجد خلاص البتة كقول الرسول بطرس:
"أنه ليس اسم آخر تحت السماء أعطى للناس به ينبغي أن نخلص"، ونحن نؤمن
إيماناً كاملاً بأننا إذا دعونا باسم ربنا يسوع أنما ندعو الآب والروح القدس لأننا
لا نقبل البتة فرقاً ولا انقساماً في اللاهوت. ونؤمن أيضاً أن ربنا يسوع المسيح هو
الواسطة الذي به يحصل الناس على الدنو من الله والحديث معه كقول الرسول: "وفى
هذه الأيام كلمنا في ابنه".
+ قال أخ للقديس مقاريوس الكبير:
إني خائف بسبب خطاياي فماذا
أعمل يا أبي؟".
قال له الشيخ:
"تقو وتمسك برجاء الحياة
والرحمة التي لا حد لها الذي هو اسم ربنا يسوع المسيح".
+ وسأل أخ شيئاً:
"عرفني يا أبي كيف أتمسك
باسم الرب يسوع بقلبي ولساني".
أجابه الشيخ:
"مكتوب أن القلب يؤمن به
للبر، والفم يعترف به للخلاص". فهدىء قلبك تجده يرتل باسم الرب يسوع المسيح
دائماً. أما أن أصابه عدم هدوء وطياشة فعليك أن تتلو باللسان حتى يتعود العقل.
فاذا نظر الله إلى تعبك أرسل لك معونة عندما يرى شوق قلبك، فيبدد ظلمة الأفكار
المضادة للنفس".
+ وسأل آخر:
" يا أبي ماذا أعمل بهذه
الحروب الكائنة معي؟".
أجاب الشيخ:
"ان مداومة اسم الرب
يسوع تقطع كل آكلة".
+ حدث أن زار الأنبا بيمين أنبا مقاريوس الكبير، فقال الأنبا بيمين:
"يا أبى: ماذا يعمل
الانسان كي يقتني الحياة؟".
فقال أنبا مقاريوس:
"إن أنت داومت كل حين
على طعام الحياة الذي للاسم القدوس: اسم ربنا يسوع المسيح بغير فتور فهو حلو في
فمك وحلقك وبترديدك إياه تدسم نفسك وبذلك يمكنك أن تقتنى الحياة".
+ قال شيخ مثلاً:
"كان لإنسان في قرية أخت
جميلة. ولما كان يوم عيد تلك القرية سألته أخته أن يأخذها إلى موضع ذلك العيد، وإذ
كان اخوها يخاف أن يرسلها وحدها لئلا يحصل لقوم عثرة بسبب شبابها، فقام ومضى بها
إلى مكان عيد القرية وهو ممسك بيدها. وكان ينتقل بها من مكان لآخر وهو ممسكاً
بيدها. لأنه قال: أن هي مالت إلى فعل جهالة فإنها لن تستطيع لأني ممسك بيدها،
وهكذا فقد كان الكثيرون ينظرون إلى الصبية ويشتهونها من أجل جمالها ولكنهم لم
يستطيعوا أن يفعلوا بها شيئاً لأن أخاها كان ممسكاً بيدها. وهي كذلك كانت تنظر إلى
الصبيان الذين يشتهونها وتميل بضميرها للذة ولكنها لم تتمكن من إكمال شهوتها لأن
أخاها كان ممسكاً بيدها.
+ ثم قال الشيخ الذي ذكر هذا المثل:
"ما دامت النفس ذاكرة
أسم ربنا يسوع المسيح الذي صار لها أخاً بالتدبير، فإنه يكون في كل وقت ممسكاً
بيدها.. وإن أراد الأعداء الغير المنظورين خداعها فلا يستطيعون أن يفعلوا بها
شيئاً لأن أخاها ممسك بيدها. وأن هي خضعت للأفكار ومالت للذات العالم، فلن تستطيع
إكمال الخطية لأن اخاها ممسك بيدها أن هي تمسكت فر كل وقت بالاسم المخلص الذي
لربنا يسوع المسيح ولم ترخه. أرأيت يا حبيبي كيف أن التمسك بهذا الذكر الصالح الذي
لأسم ربنا يسوع المسيح هو خلاص عظيم وحصن منيع وسلاح لا يقهر وخاتم خلاص النفس؟ فلا
تتوان عن ان تقتني لنفسك هذا الكنز الذي لا يسرق وهذه الجوهرة الكثيرة الثمن التي
هي أسم ربنا يسوع المسيح ذلك الاسم المخلص.
فإن سألتني قائلاً:
"وكيف أقتني هذا الكنز العظيم؟" أجيبك قائلاً: "بالعزلة عن كل أحد
وعدم الاهتمام بكافة الأشياء. وأتعاب الجسد بقدر، والصوم بمداومة. فهذه كلها تلد
الاتضاع. والدموع الصادقة تجعلك أن تكون تحت كل خليقة فاذا ما حصلت على كل ذلك صرت
ابناً لله وأنت على الأرض وتنتقل من الأرض إلى فوق السماء وأنت كائن في الجسد. كل
نعمة هي منك ولك يا رب. أنك تصنع مع ضعفنا حتى تنقلنا إلى ملكوتك
+ قيل عن الأب إيليا:
أنه لمحبته للوحدة أقام في
برية خربة، فأتاه الشياطين قائلين: "أخرج من هذا المكان لأنه موضعنا"
فأجابهم الشيخ: "أنتم ما لكم مكان"، فبددوا خوصه، وقالوا له: "أخرج
من ههنا" فقام وجمعه، وجلس يضفر وهو صامت، فبددوه له أيضاً قائلين: "أخرج
من موضعنا"، فقام أيضاً، وجمعه وجلس صامتاً. ثم أن الشياطين أمسكوه بيده،
وبدأوه يجرونه إلى خارج قائلين: "لا تقم هاهنا، لأنه موضعنا"، فلما بلغ
الباب أمسكه بيده وصرخ قائلاً: "يا يسوع المسيح إلهي أعني"، وللوقت هربت
عنه الشياطين، فبتدأ الشيخ يبكي، فجاءه صوت الرب قائلاً له: لماذا تبكي؟
"فقال الشيخ: "كيف لا أبكي، وهؤلاء يتجاسرون هكذا على محاربة خليقتك؟
فقال له الرب: "أنك أنت الذي تونيت، فلما طلبتني وجدتني".