ء – الجهاد ضد الشياطين
+ أخبر بعض الآباء:
"أنه كان ساكناً بالقرب من أخ عمال مع الله، فاعتراه توان وكسل، وبعد مدة انتبه من توانيه ولام نفسه قائلاً:
"يا نفسي، إلى متى تتوانين عن خلاصك، أما تخافين من دينونة الله يا شقية وأنت في مثل هذا التوانى، فتسلمين للعذاب الدائم؟"
فلما تفكر في مثل هذا انهض نفسه في عمل الله. ففي بعض الأيام وهو واقف يصلى، أحاطت به الشياطين وعذبته فقال لهم:
"الى متى تؤذونني؟ أما كفى ما قسيته في زماني من التوانى؟" فقالت له الشياطين: "لما كنا نراك متوانياً، كنا متوانين عنك،
ولما رأيناك قمت وتجردت لنا، قمنا نحن أيضاً عليك، فلتلق ما يأتيك". فعندما سمع ذلك، أخذته الغيرة، وازداد نشاطاً وحرارة في عمل الله، وبنعمة الله حصل على الغلبة.
سأل أخ الاب صيصوى:
"يا ترى، هل كان الشيطان يضطهد القدماء هكذا؟"
أجاب الشيخ: "بل اليوم يضطهد أكثر لأن زمانه قد قرب، فهو لذلك قلق".
قال أنبا مطايوس:
"أن الشيطان لا يعرف في أي الأوجاع تنهزم النفس، ولكنه يزرع، ولا يعلم هل سيحصد أم لا، أنه يزرع زنى، ودينونة، ووقيعة، وقتل، وجميع الأوجاع،
والشر، فأي وجع يرى النفس مائلة إليه، ففيه يشغلها".
سُئل شيخ:
"لماذا تقاتلنا الشياطين جداً؟"
فقال: "لأننا طرحنا سلاحنا أعنى الطاعة والاتضاع والمسكنة".
+ أخبر بعض الشيوخ:
"أنه في بعض الليالى، في ابتداء صلاته وهو في البرية الجوانية، سمع صوت بوق يضرب عالياً كمثل ما تضرب أبواق الحرب فتعجب متفكراً بأن البرية مقفرة وليس فيها آدمي،
فمن أين صوت البوق في هذه البرية: أترى حرب هنا؟، وإذا الشيطان قد وقف مقابله وقال بصوت عالٍ: "نعم يا راهب، حرب هي، وإن شئت فحارب، والا سلم لأعدائك".
وسأل أحد الآباء أنبا بيمين قائلاً:
"لماذا تُقاتلنا الشياطين يا أبى؟" أجاب الشيخ قائلاً: الحقيقة أن الشياطين لا تحاربنا إلا عندما نتمم ميولنا الرديئة التي هي في الحقيقة شياطننا التي تحاربنا فنهزم أمامها برضانا.
أما إن شئت أن تعرف مع من كانت الشياطين تصارع قلت لك "مع أنبا موسى وأصحابه".
+ وكان أحد الرهبان المجاهدين إذا قالت له الشياطين في فكره: "ها قد ارتفعت وصرت كبيراً" كان يتذكر ذنوبه قائلاً: "ماذا أصنع من أجل خطاياي الكثيرة!"،
وإذا قالوا له: "لقد فعلت ذنوباً كثيرة وما بقي لك خلاص"، فيقول: "وأين هي رحمة الله الكثيرة"، فانهزمت عنه الشياطين قائلة:
"لقد قهرتنا، أن رفعناك اتضعت، وأن وضعناك ارتفعت".
+ ظن رهبان كثيرون إمكانية شفاء شهواتهم، والحصول على راحة النفس بجهادهم وقوتهم. فتخلت عنهم النعمة وسقطوا من الحق،
فكما أن المريض جسدياً لا يمكن شفاؤه بدون طبيب بشرى ودواء، بالرغم من كثرة سهره وصومه، في المدة التي يتعاطى فيها الدواء،
هكذا أيضاً المريض روحياً من قبل انفعالات الخطية، بدون يسوع طبيب الأرواح والقوة الكامنة في وصاياه والتواضع الذي يماثل تواضعه،
لا يمكن أن يبرأ من خطاياه، ولا يمكن أن ينال شفاء كاملاً. من أجل ذلك فكل من يحارب ضد الشهوات والشياطين بوصايا سيدنا يشفى من مرض الشهوات
وينال شفاء النفس، ويعتق من فخ ابليس.
+ أخبر القديس أنبا دانيال الإسقيطى عن أحد الخوة:
أنه كان مقيماً في مصر وأثناء سيره في الطريق أدركه المساء، فدخل إلى طافوس لينام فيه بسبب البرد.
ولما رآه الشياطين، قال أحدهم لصاحبه: أرايت أي جسارة لهذا الراهب، أنه قد نام في مقبرة، أسرعوا وتعالوا حتى نزعجه. فأجابه الآخر وقال:
ما فائدتنا من أزعاجنا له أنه من أصحابنا ويعمل ما نهواه – يأكل ويشرب ويقع في الناس ويتوانى في الصلاة-
فبدلاً من أن نتعب مع هذا سر بنا نحزن من يحزننا ليلاً ونهاراً ففتح الرب أسماع الأخ، فلما سمع ذلك تعجب وندم على أفعاله وتاب أخيراً.
+ قال الأخوة:
لماذا منع القديس إيسيذورس أنبا موسى الأسود من الجهاد ومن القتال مع الشياطين بالرغم من أن الآباء القديسين كانوا يحفزوننا دائماً على النمو في الفضيلة
وعلى القتال ضد الشهوات؟ لماذا قال له: "استرح يا موسى وكف عن محاربة الشياطين لأن الإنسان له حد في كل شيء، فهل ينطبق هذا على الجهاد وأعمال الحياة النسكية؟".
+ قال الشيخ:
أن القديس موسى كان بجهل في الابتداء قواعد الحياة النسكية، ولأنه كان ممتلئاً صحة كان يعمل أعمالاً كثيرة وكان يساعده على ذلك قوة جسده،
وكان يظن أنه بكثرة أعماله وحدها يستطيع قهر الشياطين الذين إذ عرفوا غرضه كانوا يهجمون عليه بأكثر قوة بحروب متتالية سراً وجهراً،
ولكن أبا إيسيذورس أراد أن يعرفه الطريق السليم ونصحه كمرشد مختبراً أن يتضع وقال له:
بدون قوة الروح القدس الذي أعطانا الله إياه لإتمام وصاياه والتي تتقوى فينا كل يوم بالتناول من جسده ودمه،
لن نتخلص من الخطايا ولن نستطيع أن نقهر الشياطين، وبالتالي لن نستطيع أن ننمو في الفضيلة. عندئذ تعلم موسى هذه الأمور،
واتضعت أفكاره وتناول من الأسرار المقدسة، وهزمت الشياطين وحولوا حربهم عنه، ومن ذلك الوقت فصاعداً عاش في سلام وراحة وازداد معرفة وحكمة.