المجاهد من بستان الرهبان
+ قال بعض الشيوخ:
"ينبغي للمجاهد أن يبغض كل المفرحات التي للعالم، ويقاتل الأوجاع واللذات، ويقضى حياته كلها بالتحفظ،
ويطلب محبة الله ورضاه، ويكون دائماً كل حين حذراً من عاداته القديمة، مبتعداً منها، لا سيما الأفعال الرديئة،
وكل الاهتمامات الجسدية والكلام والسمع، وليبتعد أيضاً من الشبع، وليس الشبع من الأطعمة اللذيذة فقط،
بل ومن الخبز والماء، ومن كل امتلاء، وليكن أكله بقدر، وفي وقت الصلاة يجمع عقله كمن هو قائم بين يدى الله،
لأنه في ذلك الوقت يحتاج إلى أن يجمع فكره لله بلا طياشة، ويتمم خدمته وذبيحته الروحية، ولا يغفل عن ذكر الرب وتلاوة المزامير في كل حين،
لأنه بهذا تعتق النفس من الأفكار السيئة، وليكن مبتعداً عن كل حديث، ونظر، وعمل ليس فيه ربح، وكل ما يعمله،
ويتكلم به يكون لتسبيح الله لا ليرائي الناس، ولا يفرح بفرح الناس، ولا يسر بكثرة المقتنيات".
+ وقال شيخ:
"كما أن الفارس إذا خرج للقتال لا يتهتم بأحد من الناس، ولا يفكر أن كان هذا قد طعن أم ذاك، أو أن كان هذا قد خلص أو ذاك،
وإنما الهدف الأول الذي يضعه نصب عينيه هو كيف ينتصر، هكذا ينبغي أن يكون الراهب".
+ وقيل أيضاً:
"إذا لم تتحرك الأوجاع على الإنسان، فلن يكون مجرباً".
+ وحدث مرة أن سأل أنبا يوسف الآب سيصوى قائلاً:
"كم من الزمان يحتاج الانسان لقطع الآلام؟".
أجابه الشيخ:
"في أية ساعة تتحرك الآلام، ففي الحال أقطعها".
+ سأل أنبا موسى الأنبا سلوانس:
"هل يمكن للإنسان أن يبدأ كل يوم؟".
أجابه:
"إن كان مجاهداً فان في استطاعته أن يبدأ كل يوم".
+ ومرة سمع أنبا أسحق "صياح ديك فقال لأنبا بيمين: هل يوجد دواجن هنا يا أبي؟".
أجابه قائلاً:
"لماذا يجبرني أن أتحدث إليك يا أسحق؟ الذين يشبهونك فقط هم الذين يسمعون مثل هذه الأصوات، أما المجاهد فلا يشغل نفسه بمثل هذه الأمور".
أ – الحرارة في العبادة
((حارين في الروح – عابدين الرب)).
+ قال القديس يوحنا القصير:
أن أحد الرهبان رأى بالنظر المعقول ثلاثة رهبان وقوفاً على شاطيء البحر، فجاءهم صوت من الشاطيء الآخر قائلاً:
"خذوا لكم أجنحة من نار وتعالوا إلينا" فاثنان منهم أخذوا أجنحة نارية وصارا بها إلى الجانب الآخر، أم الثالث فصار يبكي ويصرخ نائحاً،
وفي آخر الوقت أعطى اجنحة لكنها عديمة القوة وبصعوبة كان يطير ثم يعود فيسقط، وينهض ثم يعود فيغرق وهكذا حتى وصل إلى الجانب الآخر بعد تعب عظيم،
هكذا يكون عمل هذا الجيل، فان كان قد أخذ أجنحة لكن نار الروح القدس ليست فيها، وبذلك تجدها قد عدمت قوة روح الله.
+ وقيل أيضاً:
"جيد للراهب أن يعيش مثلما عاش أنبا أرسانيوس فاحترسوا أيها الأخوة لكي تقفوا أمام الله بلا لوم وأن تقتربوا إليه بالدموع مثل المرأة الخاطئة
وتضرعوا للرب الاله باعتباره واقف أمامكم لأنه قريب ويرعانا باهتمام".
+ كان رجل راهب رومي في دير ثيؤدوسيوس قرب الأردن. أسمه "اخرسطوفورس" فصنع أحد الرهبان مطانية وقال له: أصنع محبة يا أبي وأخبرني بعملك وأنت شاب.
فعلم الشيخ أنه يطلب ذلك لمنفعة نفسه. فقال له: أخبرك يا أبني أنني كنت في حرارة أول ما ترهبت وكنت أذهب في الليل إلى مغارة الأب القديس ثيؤدوسيوس لأصلى
وكان لها 18 درجة فكنت أعمل على كل درجة مائة مطانية. فإذا بلغت ألي أسفل المغارة صنعت أيضاً مطانيات كثيرة وأصلى إلى ضرب الناقوس.
وبعد ذلك كنت أعمل القانون من الأباء. فبقيت على هذا مدة عشرين سنة في صوت وتعب ومسكنة وطاعة. وفى بعض الليالي وقد أتممت المطانيات،
فبلغت إلى أسفل المغارة كأنني قد سبى عقلي. ونظرت إلى أسفل المغارة، وإذا قناديل بعضها مضيء وبعضها مطفأً ورجلان لباسهما أبيض
يسرجان تلك القناديل.. فسألتهما عن خبر تلك القناديل. فقالا: في هذه القناديل الآباء، فقلت ولم بعضها منطفيء وبعضهم مضيء. فقالا:
كل من أحب أخاه فقنديله يسرج. فقلت لهم: أصنعوا محبة من أجل الله وأخبروني أيهما قنديلي، وهل يسرج أم لا.
فقالا لي: صلي وأحب ونحن نسرجه. فقلت لهم وأيضاً أنا أحتاج أن أصلي فأي شيء عملي إلى هذه الغاية. وبعد ذلك تنبهت ورجعت إلى نفسي. ولم أر أحداً.
فقلت لنفسي. أخرسطوفورس: أن كنت تريد الخلاص فأنت محتاج إلى نقاوة وتعب. ولما أصبحت توجهت إلى طور سينا وليس معي إلا الثياب التي على.
فأقمت هناك خمسين سنة. فجاءني صوت يقول: عد إلى ديرك حيث جاهدت لتكون مع آبائك. وبعد أن أخبر بهذا أقام أياماً قلائل وتنيح.
ب – تكوين العادة
+ قال مار أسحق:
+ "رباطات النفس هي العادات التي يعتادها الإنسان أن كانت بالجيد أو بالردىء".
+ "تخوف من العادات أكثر من الأعداء، أن من يربي عنده عادة، هو كإنسان يشعل ناراً بكثرة الوقود، وذلك لأن قوة الاثنين تتقوم بالمادة،
أما العادة فإنها إذا ما طالبت مرة ولم تجبها إلى طلبها، فإنك تجدها في وقت آخر ضعيفة أما أن صنعت لها ما طلبته فإنها تتقوى في الثانية أكثر مما سلف".
+ "لا تثبت مع أي فكر كان حتى لو كان حقيراً، لئلا تتأسس فيك عاداته، واضطرار العادة يجعلك عبداً لذاك الألم".
+ "المتوحد الذي يخدم الآلام هو تلميذ للآلام، واضطرار عادة معلمه تغضبه ليكون كمثل معلمه بغير إرادته حسب الكلمة السيدية،
كل ملك ولو كان حقيراً، لكنه جبار في بلده وقوى، وكل الم ولو أنه حقير، ولكن في بلده يظهر سلطانه".
+ "العادات تشجع الآلام، والأعمال تؤسس الفضيلة".
+ "سلاح والآلام والفضائل هو تغيير العوائد، لخاصيات، فالعوائد تطلب ما يقدم لها وهي رباطات النفس، وبالسهولة تقتنيها وبصعوبة تنحل منها".
+ "إن الآلام والفضائل التي لم تؤسس بالأعتياد مدة من الزمن فهي كالشجاع العاري من سلاحه".
+ "لا تترك عادة تتأسس فيك وتزيد الأفكار بغير قيام، لئلا تتجدد فيك الآلام التي قد هدأت قليلاً".
+ "الأنواع والعوائد التي عتقت في الإنسان، تكمل له موضع الطبع".
+ "كل عادة إذا سلمت لها باختيارك، تصبح لك في النهاية سيداً، تسير قدامه مضطراً بغير اختيارك".
+ قال شيخ:
"لا يوجد شيء أصعب من العادة الرديئة، إذ يحتاج صاحبها في سبيل قطعها إلى زمان وتعب كثير، أما التعب فهو في متناول الكثيرين،
ولكن الزمان الذي يحتاج إليه فما أقل من قضاه حتى النهاية، لأن أكثر أصحابها أختطفهم الموت قبل تمام قطعها، والله وحده هو الذي يعلم كيف يدينهم".
ح – اقتناء الفضيلة
سُئل شيخ:
"كيف يقتني الراهب الفضيلة؟"
فأجاب:
"إن شاء أحد أن يقتني فضيلةً ما، فان لم يمقت أولاً الرذيلة التي تضادها فلن يستطيع أن يقتنيها، فان شئت أن يحصل لك الحزن فامقت الضحك.
وأن آثرت أن تقتني التواضع فابغض الكبرياء. وإن أحببت أن تضبط إرادتك فامقت الشر والتحريف في الأشياء. وإن شئت أن تكون عفيفاً أمقت الفسق.
وأن شئت أن تكون زاهداً في المقتنيات فامقت حب الفضة. ومن يريد أن يسكن في البرية فليمقت المدن. ومن يشتهى ان يكون له سكوت فليمقت الدالة،
ومن أراد أن يكون غريباً من عاداته فليبغض التخليط ومن يريد أن يضبط غضبه فليبغض مشيئاته ومن يريد أن يضبط بطنه فليبغض اللذات والمقام مع أهل العالم.
ومن أراد عدم الحقد فليبغض المثالب. ومن لا يقدر أن يكابد الهموم فليسكن وحده منفرداً، ومن يريد أن يضبط لسانه فليسد أذنيه لئلا يسمع كثيراً.
ومن يريد أن يحصل على خوف الله فليمقت راحة الجسد ويحب الضيقة والحزن. فعلى هذه الصفة يمكنك أن تعبد الله بإخلاص".
+ وسأل أحد الأخوة شيخاً:
"كيف تقتنى النفس الفضيلة؟".
فقال: "إذا هي اهتمت بزلاتها وحدها".
+ قال قديس:
"إن الفضيلة تريد منا أن نريدها لا غير".
+ من أقوال الأنبا أوغريس:
"من يقول إنه اقتني فضيلة بغير جهاد، فهو إلى الآن ممسوك في الآلام، لأن شر الأعداء هو قبالة أتعاب الفضيلة، والقلب الذي ليس فيه قتال،
ليست فيه فضيلة ولا شجاعة، وكما إن الإنسان البراني يعمل شغل اليد كي لا يحتاج، هكذا الجواني يعمل لئلا يثقل العقل،
لأن الأفكار إذا وجدت النفس بطالة من تذكار الله، حينئذٍ تذكرها بالأفعال الرديئة".
+ وقال مار اسحق:
+ "لا تظن نفسك إنك تنال مسيرة فاضلة أو صلاحاً لنفسك بغير تعب".
+ "إن حد كل تدبير للسيرة يكون بهذه الثلاثة":
التوبة، والنقاوة، والكمال.
ما هي التوبة؟ هي ترك الأمور المتقدمة، والحزن من أجلها.
ما هي النقاوة؟ هي قلب رحيم على جميع طبائع الخليقة.
وما هو الكمال؟ هو عمق الاتضاع ورفض كل ما يرى ومالا يرى، أي ما يرى بالحواس، وما لا يرى بالهذيذ عليه".
+ وقال أيضاً:
"خمس فضائل بدونها جميع طبقات الناس لا يمكنهم أن يكونوا بلا لوم، وإذا حفظها الانسان، يخلص من كل مضرة، ويصير محبوباً عند الله والناس أيضاً وهي:
"جسد عفيف، لسان محترس، زهد في الرغبة والشره، كتمان الشر في سائر الأشياء بغرض مستقيم إلهي، وإكرام كل طبقات ومراتب الناس، فوق ما يستحق ذلك الوجه،
لأن الذي يكرم الناس يُكرَم هو أيضاً منهم، كما يأخذ المجازاة من الله، لأن الكرامة توجب الكرامة، والازدراء يجلب ازدراء، والذي يكرم الله يكرم هو أيضاً منه".
+ وقال آخر:
"من أجل هذا لسنا نفلح لأننا لا نعرف مقدرتنا، وليس لنا صبر في عمل نبدأ به، ولكننا نريد أن نقتنى الفضائل بلا تعب".
+ وقيل أيضاً:
"سمع أخ بأخبار القديسين فظن أن في إمكانه أن يقتنى فضائلهم بلا تعب فسأل شيخاً كبيراً، فقال له: "أن أردت أن تقتنى فضائل القديسين،
فصير نفسك مثل صبي يكتب كل يوم آية من معلمه، فاذا حفظها كتب غيرها، فافعل أنت كذلك هكذا: قاتل بطنك في هذه السنة بالجوع،
فاذا أحكمت ذلك قاتل حينئذ السبح الباطل لتبغضه كالعدو. وإذا قومت هذين فاحرص على أن تزهد في أمور الدنيا وتضع اتكالك على الله،
فان تيقنت أنك قد قومت هذه الثلاث خصال، فستلقى المسيح بدالة كثيرة".
+ وطلب أخوة إلى شيخ أن يترفق بنفسه في كثرة الجهاد فقال: "حقاً أقول لكم يا أخواتي، أن مصير إبراهيم خليل الله أن يندم إذا رأى كثرة مواهب،
ولم يجاهد ويتعب أكثر مما فعل".
+ وقالت القديسة سفرنيكى:
"إن الذين يجمعون غنى الدنيا من العتاد في البحار والأسفار الشديدة، كلما ربحوا وجمعوا ازدادوا في ذلك اشتغالاً،
أما ما في أيديهم فلا يلتفتون إليه، وما ليس في أيديهم من الغنى يشتهونه ويطلبونه، ويحرصون على جمعه. وأما نحن فقد صرنا في سيرتنا في الرهبنة بخلاف ذلك،
لأن الأمر الذي خرجنا لنطلبه وليس في أيدينا شيء منه، لا نريد أن نقتنيه من أجل خوف الله".
+ ومرة قال الطوباوي أوغريس للقديس أرسانيوس:
"كيف ونحن ليس لنا معرفة وحكمة بشرية ليس لنا فضائل، وهؤلاء القرورين المصريون أغنياء جداً بها".
أجابه أنبا أرسانيوس:
"نحن ليس لنا معرفة عالمية ولكن هؤلاء المصريون القرويون اكتسبوا الفضائل بجهادهم".
1- لتحب المسكنة لنخلص من محبة الفضة.
2- لنحب السلامة لننجو من البغضة.
3- لنقتن الصبر وطول الروح، لأن ذلك يحفظنا من صغر النفس.
4- من له معرفة وهمة فقد هزم الشر لأنه مكتوب أن الاهتمام ملازم للرجل الحكيم والضعيف الهمة لم يعرف بعد ما هو لخلاصه،
أما الذي يقهر أعداءه فانه يكلل بحضرة الملك.
5- لو لم تكن حرب وقتال ما كانت فضيلة ومن يجاهد بمعرفة فقد نجا من الدينونة لأن هذا هو السور الحصين.